وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ حِينَ نَشَزَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ " خَلِّ سَبِيلَهَا " وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ :" فَارِقْهَا " بَعْدَمَا قَالَ لِلْمَرْأَةِ :" رُدِّي عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ " قَالَ : قَدْ فَعَلَتْ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ قَالَ لَامْرَأَتِهِ " قَدْ فَارَقْتُك " أَوْ " قَدْ خَلَّيْت سَبِيلَك " وَنِيَّتُهُ الْفُرْقَةُ، أَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ خُلْعَهُ إيَّاهَا بِأَمْرِ الشَّارِعِ كَانَ طَلَاقًا وَأَيْضًا لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا " قَدْ طَلَّقْتُك عَلَى مَالٍ " أَوْ " قَدْ جَعَلْت أَمْرَك إلَيْك بِمَالٍ " كَانَ طَلَاقًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا " قَدْ خَلَعْتُك بِغَيْرِ مَالٍ " يُرِيدُ بِهِ الْفُرْقَةَ كَانَ طَلَاقًا، كَذَلِكَ إذَا خَلَعَهَا بِمَالٍ.
فَإِنْ قِيلَ : إذَا قَالَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ فَتَكُونُ فَسْخًا لَا بَيْعًا مُبْتَدَأً.
قِيلَ لَهُ : لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْخُلْعِ بِغَيْرِ مَالٍ وَعَلَى أَقَلَّ مِنْ الْمَهْرِ، وَالْإِقَالَةُ لَا تَجُوزُ بِالثَّمَنِ الَّذِي كَانَ فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ فَسْخًا كَالْإِقَالَةِ لَمَا جَازَ إلَّا بِالْمَهْرِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ، وَفِي اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى جَوَازِهِ بِغَيْرِ مَالٍ وَبِأَقَلَّ مِنْ الْمَهْرِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ بِمَالٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِفَسْخِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ قَدْ طَلَّقْتُك عَلَى هَذَا الْمَالِ.
وَمِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ :﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ﴾ إلَى أَنْ قَالَ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ :﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ فَأَثْبَتَ الثَّالِثَةَ بَعْدَ الْخُلْعِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ؛ إذْ لَوْ كَانَ طَلَاقًا لَكَانَتْ هَذِهِ رَابِعَةً ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْخُلْعَ بَعْدَ التَّطْلِيقَتَيْنِ


الصفحة التالية
Icon