وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾ رُوِيَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ :{ كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَقُولُ كُنْت لَاعِبًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ طَلَّقَ أَوْ حَرَّرَ أَوْ نَكَحَ فَقَالَ كُنْت لَاعِبًا فَهُوَ جَادٌّ } فَأَخْبَرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ، وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَعِبَ الطَّلَاقِ وَجِدِّهِ سَوَاءٌ.
وَكَذَلِكَ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ عَقِيبَ الْإِمْسَاكِ أَوْ التَّسْرِيحِ، فَهُوَ عَائِدٌ عَلَيْهِمَا ؛ وَقَدْ أَكَّدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا بَيَّنَهُ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ مَاهَك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ ﴾.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ قَالَ :( أَرْبَعٌ وَاجِبَاتٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِنَّ : الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّذْرُ ).
وَرَوَى جَابِرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لُحَيٍّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ :( ثَلَاثٌ لَا يُلْعَبُ بِهِنَّ : الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالصَّدَقَةُ ).
وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :( إذَا تَكَلَّمْت بِالنِّكَاحِ فَإِنَّ النِّكَاحَ جِدُّهُ وَلَعِبُهُ سَوَاءٌ، كَمَا أَنَّ جِدَّ الطَّلَاقِ وَلَعِبَهُ سَوَاءٌ ).
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ ؛ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ.
وَهَذَا أَصْلٌ فِي إيقَاعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى حُكْمُ الْجَادِّ وَالْهَازِلِ فِيهِ، وَكَانَا إنَّمَا يَفْتَرِقَانِ مَعَ قَصْدِهِمَا إلَى الْقَوْلِ مِنْ جِهَةِ وُجُودِ إرَادَةِ أَحَدِهِمَا لِإِيقَاعِ حُكْمِ مَا لَفَظَ بِهِ وَالْآخِرُ غَيْرُ مُرِيدٍ لِإِيقَاعِ حُكْمِهِ، لَمْ يَكُنْ لِلنِّيَّةِ تَأْثِيرٌ


الصفحة التالية
Icon