قَوْلِهِ :﴿ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾، وَالثَّانِي :﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا ﴾ فَنَسَب التَّرَاجُعَ.
إلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَلِيِّ.
وَمِنْ دَلَائِلِ الْقُرْآنِ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ فَجَازَ فِعْلُهَا فِي نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْوَلِيِّ، وَفِي إثْبَاتِ شَرْطِ الْوَلِيِّ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ نَفْيٌ لِمُوجِبِ الْآيَةِ.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ اخْتِيَارَ الْأَزْوَاجِ وَأَنْ لَا يَجُوزَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إلَّا بِإِذْنِهَا.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : عُمُومُ اللَّفْظِ فِي اخْتِيَارِ الْأَزْوَاجِ وَفِي غَيْرِهِ، وَالثَّانِي : أَنَّ اخْتِيَارَ الْأَزْوَاجِ لَا يَحْصُلُ لَهَا بِهِ فِعْلٌ فِي نَفْسِهَا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ ؛ وَأَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ الِاخْتِيَارَ مَعَ الْعَقْدِ بِقَوْلِهِ :﴿ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَقْدِ الْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا بِغَيْرِ وَلِيِّ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ :( لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا كُفُوًا وَتَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْوَلِيِّ عَلَيْهَا ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ( وَإِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا غَيْرَ كُفُوٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ أَيْضًا وَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا ).
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِمَا جَوَازُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ :( لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، فَإِنْ سَلَّمَ الْوَلِيُّ جَازَ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُسَلِّمَ وَالزَّوْجُ كُفُوٌ أَجَازَهُ الْقَاضِي ) وَإِنَّمَا يَتِمُّ النِّكَاحُ عِنْدَهُ حِينَ يُجِيزُهُ الْقَاضِي ؛ وَهُوَ قَوْلُ


الصفحة التالية
Icon