} فَعَلِمُوا أَنَّهُ إنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إذَا كَانَ قَوْلُهُ ﴿ مِنْ الْفَجْرِ ﴾ مُبَيَّنًا فِيهِ فَلَا إلْبَاسَ عَلَى أَحَدٍ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ حَقِيقَةُ الْخَيْطِ، لِقَوْلِهِ :﴿ مِنْ الْفَجْرِ ﴾ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَى عَدِيٍّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ ﴿ مِنْ الْفَجْرِ ﴾ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَيْطَ اسْمٌ لِلْخَيْطِ الْمَعْرُوفِ حَقِيقَةً، وَهُوَ مَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ وَبَيَاضِ النَّهَارِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ كَانَ شَائِعًا فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ وَمَنْ خُوطِبُوا بِهِ مِمَّنْ كَانَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَأَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُونُوا عَرَفُوا هَذِهِ اللُّغَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْعَرَبِ تَعْرِفُ سَائِرَ لُغَاتِهَا.
وَجَائِزٌ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا عَرَفُوا ذَلِكَ اسْمًا لِلْخَيْطِ حَقِيقَةً وَلِبَيَاضِ النَّهَارِ وَسَوَادِ اللَّيْلِ مَجَازًا وَلَكِنَّهُمْ حَمَلُوا اللَّفْظَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَلَمَّا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُمْ بِمُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْد ذَلِكَ :﴿ مِنْ الْفَجْرِ ﴾ فَزَالَ الِاحْتِمَالُ وَصَارَ الْمَفْهُومُ مِنْ اللَّفْظِ سَوَادَ اللَّيْلِ وَبَيَاضَ النَّهَارِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ اسْمًا لِسَوَادِ اللَّيْلِ وَبَيَاضَ النَّهَارِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَبْلَ الْإِسْلَامِ مَشْهُورًا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ ؛ قَالَ أَبُو دَاوُد الْإِيَادِيُّ : وَلَمَّا أَضَاءَتْ لَنَا ظُلْمَةٌ وَلَاحَ مِنْ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا وَقَالَ آخَرُ فِي الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ : قَدْ كَادَ يَبْدُو أَوْ بَدَتْ تُبَاشِرُهُ وَسِدْفُ الْخَيْطِ الْبَهِيمِ سَاتِرُهُ فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مَشْهُورًا فِي اللِّسَانِ قَبَلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِهِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى : الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ هُوَ الصُّبْحُ وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ اللَّيْلُ ؛ قَالَ : وَالْخَيْطُ هُوَ اللَّوْنُ.
فَإِنْ قِيلِ :