اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَالنُّذُورِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي إيجَابِ الْقُرَبِ بِالدُّخُولِ فِيهَا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾ وَالِابْتِدَاعُ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ.
ثُمَّ ذَمَّ تَارِكِي رِعَايَتِهَا بَعْدَ الِابْتِدَاعِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ ابْتَدَعَ قُرْبَةً بِالدُّخُولِ فِيهَا أَوْ بِإِيجَابِهَا بِالْقَوْلِ أَنَّ عَلَيْهِ إتْمَامَهَا ؛ لِأَنَّهُ مَتَى قَطَعَهَا قَبْلَ إتْمَامِهَا فَلَمْ يَرْعَهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَالذَّمُّ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لُزُومَهَا بِالدُّخُولِ كَهُوَ بِالنَّذْرِ وَالْإِيجَابِ بِالْقَوْلِ، وَيُحْتَجُّ فِي مِثْلِهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ :﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴾ جَعَلَهُ اللَّهُ مَثَلًا لِمَنْ عَهِدَ لِلَّهِ عَهْدًا أَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَفِ بِهِ وَيَقْضِيهِ ؛ وَهُوَ عُمُومٌ فِي كُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي قُرْبَةٍ، فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْ نَقْضِهَا قَبْلَ إتْمَامِهَا لِأَنَّهُ مَتَى نَقَضَهَا فَقَدْ أَفْسَدَ مَا مَضَى مِنْهَا بَعْدَ تَضَمُّنِ تَصْحِيحِهَا بِالدُّخُولِ فِيهَا، وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ نَاقِضَةِ غَزْلِهَا بَعْدَ فَتْلِهَا بِقُوَاهَا، وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ابْتَدَأَ فِي حَقِّ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا بَدِيًّا فَعَلَيْهِ إتْمَامُهُ وَالْوَفَاءُ بِهِ لِئَلَّا يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ نَاقِضَةِ غَزْلِهَا.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ وَالْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى :﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ ﴾ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ :﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ﴾.
قِيلَ لَهُ : نُزُولُهَا عَلَى سَبَبٍ لَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ عُمُوم لَفْظِهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ


الصفحة التالية
Icon