قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ ﴾ الْمُرَادُ بِهِ الزَّوْجَاتُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْأَزْوَاجَ لَقَالَ ( إلَّا أَنْ يَعْفُوا ) وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ :" وَيَكُونُ عَفْوُهَا أَنْ تَتْرُكَ بَقِيَّةَ الصَّدَاقِ وَهُوَ النِّصْفُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ﴾.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ يَكُونُ الصَّدَاقُ عَرَضًا بِعَيْنِهِ وَعَقَارًا لَا يَصِحَّ فِيهِ الْعَفْوُ.
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ مَعْنَى الْعَفْوِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ تَقُولَ قَدْ عَفَوْت، وَإِنَّمَا هُوَ التَّسْهِيلُ أَوْ التَّرْكُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنْ تَتْرُكَهُ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ فِي عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ، فَكَانَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ :( أَنْ تُمَلِّكَهُ إيَّاهُ وَتَتْرُكُهُ لَهُ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ تَأْخُذُهُ مِنْهُ ).
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقَسَّمُ لِإِبَاحَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا تَمْلِيكَ نِصْفِ الْفَرِيضَةِ إيَّاهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا كَانَ مِنْهَا عَيْنًا أَوْ دَيْنًا وَلَا بَيْنَ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهَا، فَوَجَبَ بِقَضِيَّةِ الْآيَةِ جَوَازُ هِبَةِ الْمُشَاعِ.
فَيُقَالُ لَهُ : لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَنْت ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى فِي الْعَفْوِ أَنْ تَقُولَ ( قَدْ عَفَوْتُ ) ؛ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ ( قَدْ عَفَوْت لَك عَنْ دَارِي هَذِهِ أَوْ قَدْ أَبْرَأْتُك مِنْ دَارِي هَذِهِ ) أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَمْلِيكًا وَلَا يَصِحُّ بِهِ عَقْدُ هِبَةٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ مِنْ الْعَفْوِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِجَوَازِ عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ بِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَمْلِيكُهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَجُوزُ عَلَيْهِ عُقُودُ الْهِبَاتِ وَالتَّمْلِيكَاتِ، إذْ كَانَ اللَّفْظُ الَّذِي بِهِ يَصِحُّ التَّمْلِيكُ غَيْرَ مَذْكُورٍ، فَصَارَ


الصفحة التالية
Icon