مَنْدُوبٌ إلَى ذَلِكَ، وَعَفْوُهُ وَتَكْمِيلُ الْمَهْرِ لَهَا جَائِزٌ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهَا ؛ وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُرَادًا انْتَفَى أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ مُرَادًا بِهَا ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ تَأَوَّلُوهُ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ : إمَّا الزَّوْجِ، وَإِمَّا الْوَلِيِّ ؛ وَإِذْ قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ مُرَادٌ وَجَبَ أَنْ تَمْتَنِعَ إرَادَةُ الْوَلِيِّ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ النَّدْبِ إلَى الْفَضْلِ وَإِلَى مَا يَقْرُبُ مِنْ التَّقْوَى، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خِطَابًا مَخْصُوصًا بِهِ الْمَالِكُ دُونُ مَنْ يَهَبُ مَالَ الْغَيْرِ، لَيْسَ يَمْتَنِعُ فِي الْأُصُولِ أَنْ تَلْحَقَ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ لِلْوَلِيِّ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ بِإِخْرَاجِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ وَالْخِتَانُ.
قِيلَ : أَغْفَلْت مَوْضِعَ الْحِجَاجِ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّا قُلْنَا : هُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلثَّوَابِ وَالْفَضْلِ بِالتَّبَرُّعِ بِمَالِ الْغَيْرِ، فَعَارَضْتنَا بِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي مَالِهِ فَأَخْرَجَهُ عَنْهُ وَلِيٌّ وَهُوَ الْأَبُ، وَنَحْنُ نُجِيزُ لِلْوَصِيِّ وَلِغَيْرِ الْوَصِيِّ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ هَذِهِ الْحُقُوقَ وَلَا نُجِيزُ عَفْوَهُمْ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَكُونُ الْأُضْحِيَّةُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ وَإِخْرَاجِ مَا لَا يَلْزَمُ مِنْ مِلْكِهَا.
وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ احْتَجَّ لِمَالِكٍ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الزَّوْجَ لَقَالَ ( إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الزَّوْجُ ) لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ الزَّوْجَيْنِ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ رَاجِعًا إلَيْهِمَا جَمِيعًا، فَلَمَّا عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلَى ذِكْرِ مَنْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالصِّفَةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الزَّوْجَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهَذَا الْكَلَامُ فَارِغٌ لَا مَعْنَى تَحْتَهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَذْكُرُ إيجَابَ الْأَحْكَامِ تَارَةً بِالنُّصُوصِ، وَتَارَةً بِالدَّلَالَةِ