قَدْ تَكُونُ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا، فَأَمَّا فِي النَّفَقَةِ فَأَنْ تَشْتَطَّ عَلَيْهِ وَتَطْلُبَ فَوْقَ حَقِّهَا، وَفِي غَيْرِ النَّفَقَةِ أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَالْإِلْمَامِ بِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَغْتَرِبَ بِهِ وَتُخْرِجَهُ عَنْ بَلَدِهِ فَتَكُونَ مُضَارَّةً لَهُ بِوَلَدِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ أَنْ لَا يُطِيعَهُ وَتَمْتَنِعَ مِنْ تَرْكِهِ عِنْدَهُ.
فَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ يَنْطَوِي عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ فَوَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهَا.
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ هُوَ عَطْفٌ عَلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ، مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ :﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ مَعْطُوفٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ، وَهِيَ حَرْفُ الْجَمْعِ، فَكَانَ الْجَمِيعُ مَذْكُورًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ، وَالنَّهْيُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ مُضَارَّةِ الْآخَرِ عَلَى مَا اعْتَوَرَهَا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ :﴿ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ يَعْنِي النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَأَنْ لَا يُضَارَّهَا وَلَا تُضَارَّهُ ؛ إذْ كَانَتْ الْمُضَارَّةُ قَدْ تَكُونُ فِي النَّفَقَةِ كَمَا تَكُونُ فِي غَيْرِهَا، فَلَمَّا قَالَ عَطْفًا عَلَى ذَلِكَ :﴿ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا عَلَى الْوَارِثِ جَمِيعَ الْمَذْكُورِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْحَسَنِ وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ قَالُوا :( النَّفَقَةُ ).
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ :( عَلَيْهِ أَنْ لَا يُضَارَّ ).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَوْلُهُمَا ( عَلَيْهِ أَنْ لَا يُضَارَّ ) لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا النَّفَقَةَ وَاجِبَةً عَلَى الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَّةَ قَدْ تَكُونُ فِي النَّفَقَةِ كَمَا تَكُونُ فِي غَيْرِهَا، فَعَوْدُهُ عَلَى الْمُضَارَّةِ لَا يَنْفِي إلْزَامَهُ النَّفَقَةَ ؛ وَلَوْلَا أَنَّ