مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ حُكْمُ مَا أَعْطَى حُكْمَ الْجَيِّدِ فِيمَا وَصَفْنَا أَجْزَأَ عَنْهُ ؛ وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِخْرَاجِ الْفَضْلِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِنْ جِنْسِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ وَيُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا.
وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُجِزْ إخْرَاجَ الرَّدِيءِ مِنْ الْجَيِّدِ إلَّا بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ مِنْهُ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجَ الْفَضْلِ ؛ إذْ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ رِبًا.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ اقْتِضَاءِ الرَّدِيءِ عَنْ الْجَيِّدِ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَازَ الْإِغْمَاضَ فِي الدُّيُونِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَعَانٍ : مِنْهَا جَوَازُ اقْتِضَاءِ الزُّيُوفِ الَّتِي أَقَلُّهَا غِشٌّ وَأَكْثَرُهَا فِضَّةٌ عَنْ الْجِيَادِ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ اللَّذَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُمَا غَيْرَهُمَا، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرَّدِيءِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْجَيِّدِ.
وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْفِضَّةِ الْجَيِّدَةِ بِالرَّدِيئَةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ اقْتِضَاءُ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ جَازَ بَيْعُهُ بِهِ ؛ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ﴾ إنَّمَا أَرَادَ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْوَزْنِ لَا فِي الصِّفَةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا ذَكَرَهُ مَعَهُ ؛ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اقْتِضَاءِ الْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ بِرِضَا الْغَرِيمِ كَمَا جَازَ اقْتِضَاءُ الرَّدِيءِ عَنْ الْجَيِّدِ ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الصِّفَةِ حُكْمٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً ﴾ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ :﴿ قَضَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَنِي ﴾.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَإِبْرَاهِيمَ