وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ ﴾ فَإِنَّ السِّيمَا الْعَلَامَةُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ :( الْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّخَشُّعُ ).
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ :( هُوَ عَلَامَةُ الْفَقْرِ ) وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ يَعْنِي عَلَامَتُهُمْ.
فَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْعَلَامَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ ﴾ مَا يَظْهَرُ فِي وَجْهِ الْإِنْسَانِ مِنْ كُسُوفِ الْبَالِ وَسُوءِ الْحَالِ، وَإِنْ كَانَتْ بِزَّتُهُمْ وَثِيَابُهُمْ وَظَاهِرُ هَيْئَتِهِمْ حَسَنَةً جَمِيلَةً ؛ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لِنَبِيِّهِ عَلَمًا يَسْتَدِلُّ بِهِ إذَا رَآهُمْ عَلَيْهِ عَلَى فَقْرِهِمْ ؛ وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُمْ إلَّا بِظُهُورِ الْمَسْأَلَةِ مِنْهُمْ أَوْ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ بَذَاذَةِ هَيْئَتِهِمْ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِمَا يَظْهَرُ مِنْ السِّيمَا حَظًّا فِي اعْتِبَارِ حَالِ مَنْ يَظْهَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ اعْتَبَرَ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَمْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ، أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى سِيمَاهُ فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ سِيمَا أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ شَدِّ زُنَّارٍ أَوْ عَدَمِ خِتَانٍ وَتَرْكِ الشَّعْرِ عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ رُهْبَانُ النَّصَارَى، حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْكُفَّارِ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سِيمَا أَهْلِ الْإِسْلَامِ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؛ فَإِنْ كَانَ فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ الَّتِي لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ الْكُفْرِ ؛ فَجَعَلُوا اعْتِبَارَ سِيمَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى مِنْهُ بِمَوْضِعِهِ الْمَوْجُودِ فِيهِ، فَإِذَا عَدِمْنَا السِّيمَا حَكَمْنَا لَهُ بِحُكْمِ أَهْلِ الْمَوْضِعِ ؛ وَكَذَلِكَ اعْتَبَرُوا فِي اللَّقِيطِ.
وَنَظِيرُهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى :