وَمِنْ الرِّبَا الْمُرَادِ بِالْآيَةِ شِرَى مَا يُبَاعُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ رِبًا حَدِيثُ يُونُسُ بْنَ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ : كُنْت عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ لَهَا امْرَأَةٌ : إنِّي بِعْت زَيْدَ بْنَ أَرَقْمَ جَارِيَةً لِي إلَى عَطَائِهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ ؟ فَقَالَتْ : بِئْسَمَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا اشْتَرَيْت أَبْلَغِي زِيدَ بْنَ أَرَقْمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ لَمْ يَتُبْ.
فَقَالَتْ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْت إنْ لَمْ آخُذْ إلَّا رَأْسَ مَالِي ؟ فَقَالَتْ :﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ ﴾ فَدَلَّتْ تِلَاوَتُهَا لَآيَةِ الرِّبَا عِنْدَ قَوْلِهَا ( أَرَأَيْت إنْ لَمْ آخُذْ إلَّا رَأْسَ مَالِي ) أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَهَا مِنْ الرِّبَا، وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ طَرِيقُهَا التَّوْقِيفُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَكَمِ بْنِ زُرَيْقٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : سَأَلْته عَنْ رَجُلٍ بَاعَ طَعَامًا مِنْ رَجُلٍ إلَى أَجَلٍ فَأَرَادَ الَّذِي اشْتَرَى الطَّعَامَ أَنْ يَبِيعَهُ بِنَقْدٍ مِنْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ ؟ فَقَالَ : هُوَ رِبًا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَرَادَ شِرَاءَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ؛ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ شِرَاءَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ جَائِزٌ، فَسَمَّى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ذَلِكَ رِبًا.
وَقَدْ رُوِيَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ فِي آخَرِينَ :( إنْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، فَإِنْ كَانَ بَاعَهُ بِنَسِيئَةٍ لَمْ يَشْتَرِهِ بِأَقَلَّ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ ).
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ جَازَ ؛ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَبْضَ الثَّمَنِ ؛ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا


الصفحة التالية
Icon