وَقَدْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْأَثَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَهُوَ عِنْدَنَا فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ لِكَثْرَةِ رُوَاتِهِ وَاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ.
وَاتَّفَقُوا أَيْضًا فِي أَنَّ مَضْمُونَ هَذَا النَّصِّ مَعْنِيٌّ بِهِ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ الْجِنْسِ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَأَنَّ حُكْمَ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ.
وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ هُمْ شُذُوذٌ عِنْدَنَا لَا يُعَدُّونَ خِلَافًا : إنَّ حُكْمَ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَصْنَافِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا التَّوْقِيفُ دُونَ تَحْرِيمِ غَيْرِهَا.
وَلِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا فِي اعْتِبَارِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ دَلَائِلُ مِنْ الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي مَوَاضِعَ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ فَحَوَى الْخَبَرِ قَوْلُهُ :﴿ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ ﴾ فَأَوْجَبَ اسْتِيفَاءَ الْمُمَاثَلَةِ بِالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ وَبِالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي التَّحْرِيمِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ مَضْمُومًا إلَى الْجِنْسِ وَمِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ الْمُخَالِفُ مِنْ الْآيَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَكْلِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ﴾.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا ﴾ فَأَطْلَقَ اسْمَ الرِّبَا عَلَى الْمَأْكُولِ ؛ قَالُوا : فَهَذَا عُمُومٌ فِي إثْبَاتِ الرِّبَا فِي الْمَأْكُولِ.
وَهَذَا عِنْدَنَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوا مِنْ وُجُوهٍ ؛ أَحَدُهَا : مَا قَدَّمْنَا مِنْ إجْمَالِ لَفْظِ الرِّبَا فِي الشَّرْعِ وَافْتِقَارِهِ إلَى الْبَيَانِ، فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِهِ، إنَّمَا يُحْتَاجُ