وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ حُكْمُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْإِجْمَالِ وَالْوَقْفِ عَلَى وُرُودِ الْبَيَانِ، فَمِنْ الرِّبَا مَا هُوَ بَيْعٌ، وَمِنْهُ مَا لَيْسَ بِبَيْعٍ وَهُوَ رِبَا أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ الْقَرْضُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ الْأَجَلُ وَزِيَادَةُ مَالٍ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ.
وَفِي سِيَاقِ الْآيَةِ مَا أَوْجَبَ تَخْصِيصَ مَا هُوَ رِبًا مِنْ الْبِيَاعَاتِ مِنْ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾.
وَظَنَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ لَفْظَ الرِّبَا لَمَّا كَانَ مُجْمَلًا أَنَّهُ يُوجِبُ إجْمَالَ لَفْظِ الْبَيْعِ ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا لِأَنَّ مَا لَا يُسَمَّى رِبًا مِنْ الْبِيَاعَاتِ فَحُكْمُ الْعُمُومِ جَارٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوُقُوفُ فِيمَا شَكَكْنَا أَنَّهُ رِبًا أَوْ لَيْسَ بِرِبًا، فَأَمَّا مَا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبًا فَغَيْرُ جَائِزٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِآيَةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ﴾ حِكَايَةً عَنْ الْمُعْتَقِدِينَ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ الْكُفَّارِ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَلَى وَجْهِ الرِّبَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَرْبَاحِ الْمُكْتَسَبَةِ بِضُرُوبِ الْبِيَاعَاتِ، وَجَهِلُوا مَا وَضَعَ اللَّهُ أَمْرَ الشَّرِيعَةِ عَلَيْهِ مِنْ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا ؛ فَذَمَّهُمْ اللَّهُ عَلَى جَهْلِهِمْ وَأَخْبَرَ عَنْ حَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنْ عِقَابِهِ.