يُوجِبُ تَحْرِيمَ ذَلِكَ الْعَقْدِ لَمْ يُوجِبْ فَسْخَهُ وَذَلِكَ نَحْوُ النَّصْرَانِيِّينَ إذَا تَبَايَعَا عَبْدًا بِخَمْرٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِ الْخَمْرِ بَطَلَ الْعَقْدُ ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مُسْلِمٌ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ قَدْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَمَا أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الرِّبَا مَا لَمْ يُقْبَضْ لِأَنَّهُ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ وَإِنْ كَانَتْ الْخَمْرُ مَقْبُوضَةً ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحْرَمَا لَمْ يُبْطِلْ الْبَيْعَ كَمَا لَمْ يُبْطِلْ اللَّهُ الرِّبَا الْمَقْبُوضَ حِين أَنْزَلَ التَّحْرِيمَ ؛ فَهَذَا جَائِزٌ فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يُبْطِلَ الْبَيْعَ، وَلِلْمُشْتَرِي اتِّبَاعُ الْجَانِي مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَى الْعَقْدِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَالْقِيمَةُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْمَبِيعِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَبِيعُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَحَسْبُ.
وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَسُقُوطَ الْقَبْضِ فِيهِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيِّ ؛ وَقَالَ مَالِكٌ :( لَا يَبْطُلُ وَالثَّمَنُ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ ).
وَدَلَالَةُ الْآيَةِ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مِنْ تَمَامِ الْبَيْعِ وَأَنَّ سُقُوطَ الْقَبْضِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَسْقَطَ قَبْضَ الرِّبَا أَبْطَلَ الْعَقْدَ الَّذِي عَقَدَاهُ وَأَمَرَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَأَنَّهُ مَتَى طَرَأَ عَلَى الْعَقْدِ مَا يُسْقِطُهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ بُطْلَانَهُ.
وَفِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ الْوَاقِعَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا