أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ، فَكَتَبَ إلَيْهِمْ كِتَابًا فِي آخِرِهِ : عَلَى أَنْ لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، فَمَنْ أَكَلَ الرِّبَا فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ }.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ عَقِيبَ قَوْلِهِ :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا ﴾ هُوَ عَائِدٌ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، مِنْ رَدِّ الْأَمْرِ عَلَى حَالِهِ وَمِنْ الْإِقَامَةِ عَلَى أَكْلِ الرِّبَا مَعَ قَبُولِ الْأَمْرِ.
فَمَنْ رَدَّ الْأَمْرَ قُوتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ، وَمَنْ قَبِلَ الْأَمْرَ وَفَعَلَهُ مُحَرِّمًا لَهُ قُوتِلَ عَلَى تَرْكِهِ إنْ كَانَ مُمْتَنِعًا وَلَا يَكُونُ مُرْتَدًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا عُزِّرَ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ عَلَى مَا يَرَى الْإِمَامُ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ إعْلَامٌ بِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهُمْ مُحَارِبُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَفِي ذَلِكَ إخْبَارٌ مِنْهُ بِمِقْدَارِ عِظَمِ الْجُرْمِ وَأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ هَذِهِ السِّمَةَ، وَهِيَ أَنْ يُسَمُّوا مُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ وَهَذِهِ السِّمَةُ يَعْتَوِرُهَا مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا : الْكُفْرُ إذَا كَانَ مُسْتَحِلًّا، وَالْآخَرُ : الْإِقَامَةُ عَلَى أَكْلِ الرِّبَا مَعَ اعْتِقَادِ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّهُ إعْلَامٌ مِنْهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِمُحَارَبَتِهِمْ، وَيَكُونُ إيذَانًا لَهُمْ بِالْحَرْبِ حَتَّى لَا يُؤْتُوا عَلَى غِرَّةٍ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ فَإِذَا حُمِلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ الْخِطَابُ بِذَلِكَ مُتَوَجِّهًا إلَيْهِمْ إذَا كَانُوا ذَوِي مَنْعَةٍ، وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ دَخَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ فَاعِلِي ذَلِكَ فِي الْخِطَابِ وَتَنَاوَلَهُ الْحُكْمُ


الصفحة التالية
Icon