يَقْضِيَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا خَلَّى سَبِيلَهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا قَالَ إنِّي مُعْسِرٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ قَالَ : فَسَلْ عَنِّي، فَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا، وَحَبَسَهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْعُسْرِ، فَلَا يَحْبِسَهُ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ : كَانَ مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ، يَقُولُونَ :( إنَّ كُلَّ دَيْنٍ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ مَالٍ وَقَعَ فِي يَدَيْ الْمَدِينِ كَأَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ وَالْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ بِهِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ مِنْ مَالٍ وَقَعَ فِي يَدِهِ مِثْلَ الْمَهْرِ وَالْجُعْلِ مِنْ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْكَفَالَةِ، لَمْ يَحْبِسْهُ بِهِ حَتَّى يَثْبُتَ وُجُودُهُ وَمَلَاؤُهُ ).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى :( يَحْبِسُهُ فِي الدُّيُونِ إذَا أَخْبَرَ أَنَّ عِنْدَهُ مَالًا ).
وَقَالَ مَالِكٌ :( لَا يُحْبَسُ الْحُرُّ وَلَا الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ وَلَا يُسْتَبْرَأُ أَمْرُهُ، فَإِنْ اُتُّهِمَ أَنَّهُ قَدْ خَبَّأَ مَالًا حَبَسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَحْبِسْهُ وَخَلَّاهُ ).
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ :( إذَا كَانَ مُوسِرًا حُبِسَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يُحْبَسْ ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :( إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِيعَ مَا ظَهَرَ وَدُفِعَ وَلَمْ يُحْبَسْ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حُبِسَ وَبِيعَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ، فَإِنْ ذَكَرَ عُسْرَهُ قُبِلَتْ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ وَأَحْلَفَهُ مَعَ ذَلِكَ بِاَللَّهِ وَمَنَعَ غُرَمَاءَهُ مِنْ لُزُومِهِ ).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا ( إنَّهُ يَحْبِسُهُ فِي أَوَّلِ مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي دَيْنُهُ ) لِمَا دَلَلْنَا عَلَيْهِ مِنْ الْآيَةِ وَالْأَثَرِ عَلَى كَوْنِهِ ظَالِمًا فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ قَضَاءِ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعُقُوبَةِ مَتَى امْتَنَعَ مِنْ