رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ :( إنْ شَاءَ أَشْهَدَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُشْهِدْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ ) وَرَوَى لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ :( أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا بَاعَ أَشْهَدَ وَلَمْ يَكْتُبْ )، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ نَدْبًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَتْ الْكِتَابَةُ مَعَ الْإِشْهَادِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْمُورٌ بِهِمَا فِي الْآيَةِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يَخْلُو قَوْله تَعَالَى :﴿ فَاكْتُبُوهُ ﴾ إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَى الدُّيُونِ الْآجِلَةِ فِي حَالِ نُزُولِهَا، وَكَانَ هَذَا حُكْمًا مُسْتَقِرًّا ثَابِتًا إلَى أَنْ وَرَدَ نَسْخُ إيجَابِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ﴾، أَوْ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ الْجَمِيعِ مَعًا ؛ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَارِ الْإِيجَابَ لِامْتِنَاعِ وُرُودِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مَعًا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، إذْ غَيْرُ جَائِزٍ نَسْخُ الْحُكْمِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ.
وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا تَارِيخُ نُزُولِ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ مِنْ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ وَجَبَ الْحُكْمُ بِوُرُودِهِمَا مَعًا، فَلَمْ يَرِدْ الْأَمْرُ بِالْكِتَابِ وَالْإِشْهَادِ إلَّا مَقْرُونًا بِقَوْلِهِ :﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ﴾ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ نَدْبٌ غَيْرُ وَاجِبٍ.
وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ آيَةَ الدَّيْنِ مُحْكَمَةٌ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ، لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ رَأَى الْإِشْهَادَ وَاجِبًا ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْجَمِيعَ وَرَدَ مَعًا، فَكَانَ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ مَا أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ نَدْبًا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :{


الصفحة التالية
Icon