الْجَارِيَةُ مَالَهَا وَإِنْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ ).
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الَّتِي لَا تَقُومُ بِحِفْظِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ ضَابِطَةً لَأَمْرِهَا حَافِظَةً لِمَالِهَا دُفِعَ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ بَالِغًا قَدْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا تَجُوزُ لِامْرَأَةِ مُمَلَّكَةٍ عَطِيَّةٌ حَتَّى تَحْبَلَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَوْلًا أَوْ تَلِدَ بَطْنًا ) وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ.
وَقَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ :( لَا تَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ حَتَّى تَلِدَ أَوْ يُؤْنَسَ رُشْدُهَا ) وَعَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ.
وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهَا، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَدٍّ فِي اسْتِحْقَاقِ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا لَوْ أَحَالَتْ حَوْلًا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدَتْ بُطُونًا وَهِيَ غَيْرُ مُؤْنِسَةٍ لِلرُّشْدِ وَلَا ضَابِطَةٍ لِأَمْرِهَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهَا مَالُهَا، فَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى السَّفَهَ فِي مَوَاضِعَ : مِنْهَا مَا أَرَادَ بِهِ السَّفَهَ فِي الدِّينِ، وَهُوَ الْجَهْلُ بِهِ، فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ أَلَا إنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ ﴾ فَهَذَا هُوَ السَّفَهُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ الْجَهْلُ وَالْخِفَّةُ، وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ ﴾ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ يَعْنِي : لَا يَقْتُل بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
وَقَالَ تَعَالَى :﴿ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ وَالْمَعْنَى : لِيَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ عُدُولٌ عَنْ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَظَاهِرِهِ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ ﴾ يَشْتَمِلُ عَلَى فَرِيقَيْنِ مِنْ النَّاسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُمَيَّزٌ فِي اللَّفْظِ مِنْ الْآخَرِ، وَأَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ


الصفحة التالية
Icon