لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعُقُودِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَمِمَّا يَلْزَمُ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا فِي هَذَا أَنَّهُمَا يُجِيزَانِ تَزْوِيجَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَجْرُ وَاجِبًا لِئَلَّا يَتْلَفَ مَالُهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَصِلُ إلَى إتْلَافِهِ بِالتَّزْوِيجِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَلْزَمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ، ثُمَّ لَا يَزَالُ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى يَتْلَفَ مَالُهُ ؛ فَلَيْسَ إذًا فِي هَذَا الْحَجْرِ احْتِرَازٌ مِنْ إتْلَافِ الْمَالِ.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الشَّافِعِيِّ فِي إينَاسِ الرُّشْدِ وَاسْتِحْقَاقِ دَفْعِ الْمَالِ جَوَازُ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ أَحَدٌ، وَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُجِيزَ إقْرَارَاتِ الْفُسَّاقِ عِنْدَ الْحُكَّامِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَنْ لَا يُجِيزَ بُيُوعَهُمْ وَلَا أَشَرْيَتَهُمْ، وَيَنْبَغِي لِلشُّهُودِ أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَى بَيْعِ مَنْ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، وَأَنْ لَا يَقْبَلَ الْقَاضِي مِنْ مُدَّعٍ دَعْوَاهُ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَتُهُ، وَلَا يَقْبَلَ عَلَيْهِ دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَهُ جَوَازُ شَهَادَتِهِ ؛ إذْ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إقْرَارُ مَنْ لَيْسَ عَلَى صِفَةِ الْعَدَالَةِ وَجَوَازُ الشَّهَادَةِ وَلَا عُقُودُهُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ؛ وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ مُنْذُ عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا يَتَخَاصَمُونَ فِي الْحُقُوقِ، فَلَمْ يَقُلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ : لَا أَقْبَلُ دَعَاوِيَكُمْ وَلَا أَسْأَلُ أَحَدًا عَنْ دَعْوَى غَيْرِهِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْحَضْرَمِيُّ الَّذِي خَاصَمَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ رَجُلٌ فَاجِرٌ بِحَضْرَتِهِ، وَلَمْ يُبْطِلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُصُومَتَهُ وَلَا سَأَلَ عَنْ حَالِهِ ؛ وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو