وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ :( لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَبِيدِ فِي شَيْءٍ ).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ، وَمِمَّا يَدُلُّ مِنْ الْآيَةِ عَلَى نَفْيِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا ﴾ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا دُعِيَ فَلْيَشْهَدْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا كَانَ قَدْ أَشْهَدَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ وَاجِبٌ فِي الْحَالَيْنِ.
وَالْعَبْدُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْإِجَابَةِ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَخِدْمَتِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْإِجَابَةَ، فَدَلَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالشَّهَادَةِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْ خِدْمَةِ مَوْلَاهُ بِقِرَاءَةِ الْكِتَابِ وَإِمْلَائِهِ وَالشَّهَادَةِ ؟ وَلَمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي خِطَابِ الْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ ؛ إذْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ غَيْرَ مُتَعَيِّنَةٍ عَلَى الشُّهَدَاءِ وَإِنَّمَا هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفَرْضُ الْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ فَرْضَ الْحَجِّ وَالْجُمُعَةُ مَعَ الْإِمْكَانِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَهُوَ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِحَقِّ الْمَوْلَى.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾ وَقَالَ أَيْضًا :﴿ كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ﴾ إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ﴾ فَجَعَلَ الْحَاكِمَ شَاهِدًا لِلَّهِ كَمَا جَعَلَ سَائِرَ الشُّهُودِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ حَاكِمًا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا ؛ إذْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَاكِمِ وَالشَّاهِدِ بِهِ يُنَفَّذُ الْحُكْمُ وَيَثْبُتُ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ قَوْله تَعَالَى ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ﴾ وَذَلِكَ


الصفحة التالية
Icon