قَوْله تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ :﴿ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ قُرِئَ :﴿ فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾، بِالتَّشْدِيدِ وَقُرِئَ :( فَتُذْكِرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ) بِالتَّخْفِيفِ.
وَقِيلَ إنَّ مَعْنَاهُمَا قَدْ يَكُونُ وَاحِدًا، يُقَالُ : ذَكَّرْته وَذَكَرْته ؛ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ مُؤَمَّلُ الصَّيْرَفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى الْبَصْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو قَالَ : مَنْ قَرَأَ :( فَتُذْكِرَ ) مُخَفَّفَةً أَرَادَ : تَجْعَلَ شَهَادَتَهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ ذَكَرٍ وَمَنْ قَرَأَ : فَتُذَكِّرَ بِالتَّشْدِيدِ، أَرَادَ مِنْ جِهَةِ التَّذْكِيرِ ؛ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ وَجَبَ حَمْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى مَعْنَى وَفَائِدَةٍ مُجَدَّدَةٍ، فَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى :( فَتُذْكِرَ ) بِالتَّخْفِيفِ تَجْعَلُهُمَا جَمِيعًا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي ضَبْطِ الشَّهَادَةِ وَحِفْظِهَا فِي إتْقَانِهَا، قَوْله تَعَالَى :" فَتُذَكِّرَ " مِنْ التَّذْكِيرِ عِنْدَ النِّسْيَانِ ؛ وَاسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مُوجِبِ دَلَالَتَيْهِمَا أَوْلَى مِنْ الِاقْتِصَارِ بِهَا عَلَى مُوجِبِ دَلَالَةِ أَحَدِهِمَا.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَا رَأَيْت نَاقِصَاتٍ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِعُقُولِ ذَوِي الْأَلْبَابِ مِنْهُنَّ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا نُقْصَانُ عَقْلِهِنَّ ؟ قَالَ : جَعْلُ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ ﴾ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَعْنَى مَنْ تَأَوَّلَ :﴿ فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ عَلَى أَنَّهُمَا تَصِيرَانِ فِي ضَبْطِ الشَّهَادَةِ وَحِفْظِهَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ إقَامَةُ شَهَادَةٍ وَإِنْ عُرِفَ خَطُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا لَهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى