الْحَوْلَيْنِ دَلَّ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِهِ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ التَّحْرِيمِ مُعَلَّقًا بِالْوَقْتِ دُونَ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ ﴾ ؟ قِيلَ لَهُ : الْمَشْهُورُ عَنْهُ :﴿ لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ ﴾ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ أَصْلُ الْحَدِيثِ وَأَنَّ مَنْ ذَكَرَ الْحَوْلَيْنِ حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى وَحْدَهُ.
وَأَيْضًا لَوْ ثَبَتَ هَذَا اللَّفْظُ احْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ أَيْضًا : لَا رَضَاعَ عَلَى الْأَبِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ ؛ عَلَى نَحْوِ تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى :﴿ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْحَوْلَانِ هُمَا مُدَّةُ الرَّضَاعِ وَبِهِمَا يَقَعُ الْفِصَالُ لَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا ﴾ وَهَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ الْحَوْلَيْنِ لَيْسَا تَوْقِيتًا لِلْفِصَالِ : أَحَدُهُمَا : ذِكْرُهُ لِلْفِصَالِ مَنْكُورًا فِي قَوْله تَعَالَى :" فِصَالًا " وَلَوْ كَانَ الْحَوْلَانِ فِصَالًا لَقَالَ ( الْفِصَالَ ) حَتَّى يَرْجِعَ ذِكْرُ الْفِصَالِ إلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ مَعْهُودٌ مُشَارٌ إلَيْهِ، فَلَمَّا أَطْلَقَ فِيهِ لَفْظَ النَّكِرَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَوْلَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : تَعْلِيقُهُ الْفِصَالَ بِإِرَادَتِهِمَا، وَمَا كَانَ مَقْصُورًا عَلَى وَقْتٍ مَحْدُودٍ لَا يُعَلَّقُ بِالْإِرَادَةِ وَالتَّرَاضِي وَالتَّشَاوُرِ ؛ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.


الصفحة التالية
Icon