قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾.
رَوَى يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :( هِيَ أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ إلَى الْكَاتِبِ أَوْ الشَّاهِدِ فَيَقُولَ : إنِّي عَلَى حَاجَةٍ، فَيَقُولَ : إنَّك قَدْ أُمِرْت أَنْ تُجِيبَ ؛ فَلَا يُضَارَّ ).
وَعَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ مِثْلُهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ :( لَا يُضَارَّ كَاتِبٌ فَيَكْتُبْ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَلَا يُضَارَّ الشَّهِيدُ فَيَزِيدَ فِي شَهَادَتِهِ ).
وَقَرَأَ ( الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ : وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ.
وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ :( لَا يُضَارَّ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ.
فَكَانَتْ إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ نَهْيًا لِصَاحِبِ الْحَقِّ عَنْ مُضَارَّةِ الْكَاتِبِ وَالشَّهِيدِ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى فِيهَا نَهْيُ الْكَاتِبِ وَالشَّهِيدِ عَنْ مُضَارَّةِ صَاحِبِ الْحَقِّ.
وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مُسْتَعْمَلٌ، فَصَاحِبُ الْحَقِّ مَنْهِيٌّ عَنْ مُضَارَّةِ الْكَاتِبِ وَالشَّهِيدِ بِأَنْ يَشْغَلَهُمَا عَنْ حَوَائِجِهِمَا وَيُلِحَّ عَلَيْهِمَا فِي الِاشْتِغَالِ بِكِتَابِهِ وَشَهَادَتِهِ، وَالْكَاتِبُ وَالشَّهِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْ مُضَارَّةِ الطَّالِبِ بِأَنْ يَكْتُبَ الْكِتَابَ مَا لَمْ يُمِلَّ وَيَشْهَدُ الشَّهِيدُ بِمَا لَمْ يَسْتَشْهِدْ.
وَمِنْ مُضَارَّةِ الشَّهِيدِ لِلطَّالِبِ الْقُعُودُ عَنْ الشَّهَادَةِ، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا شَاهِدَانِ، فَعَلَيْهِمَا فَرْضُ أَدَائِهَا وَتَرْكُ مُضَارَّةِ الطَّالِبِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ إقَامَتِهَا، وَكَذَلِكَ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ إذَا لَمْ يَجِدَا غَيْرَهُ.
فَإِنْ قِيلَ : قَوْله تَعَالَى فِي التِّجَارَةِ :﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ﴾ فَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ كَتْبَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَالْإِشْهَادَ فِيهِ.
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى عُقُودِ الْمُدَايَنَاتِ الْمُؤَجَّلَةِ لَمَّا كَانَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَكَانَ تَارِكُهُ تَارِكًا لِمَا نُدِبَ إلَيْهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِمَالِهِ