الْعَتَاقَ وَالطَّلَاقَ فِي جَوَازِ تَعَلُّقِهِمَا عَلَى الْأَخْطَارِ، لِأَنَّ لَهُمَا أَصْلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجَازَ الْكِتَابَةَ بِقَوْلِهِ :﴿ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ﴾ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ :( كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ ) وَذَلِكَ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى خَطَرٍ وَعَلَى مَجِيء حَالٍ مُسْتَقْبَلَةٍ.
وَقَالَ فِي شَأْنِ الطَّلَاقِ :﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ إيقَاعِهِ فِي الْحَالِ وَبَيْنَ إضَافَتِهِ إلَى وَقْتِ السُّنَّةِ.
وَلَمَّا كَانَ إيجَابُ هَذَا الْعَقْدِ أَعْنِي الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ، وَالْخُلْعُ بِمَالٍ مَشْرُوطٌ لِلزَّوْجِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِيمَا أَوْجَبَهُ قَبْلَ قَبُولِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ، صَارَ ذَلِكَ عِتْقًا مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ بِمَنْزِلَةِ شُرُوطِ الْأَيْمَانِ الَّتِي لَا سَبِيلَ إلَى الرُّجُوعِ فِيهَا.
وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعَلُّقِهِمَا عَلَى شُرُوطٍ وَأَوْقَاتٍ مُسْتَقْبَلَةٍ.
وَالْمَعْنَى فِي هَذَيْنِ أَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْفَسْخُ بَعْدَ وُقُوعِهِمَا، وَسَائِرُ الْعُقُودِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ بَعْدَ وُقُوعِهَا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ تَعَلُّقُهَا عَلَى الْأَخْطَارِ.
وَنَظِيرُ دَلَالَةِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ ﴾ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَعَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ ﴾ وَهَذِهِ بِيَاعَاتٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَعَامَلُونَ بِهَا، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إذَا لَمَسَ السِّلْعَةَ أَوْ أَلْقَى الثَّوْبَ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ حَصَاةً وَجَبَ الْبَيْعُ، فَكَانَ وُقُوعُ الْمِلْكِ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بَلْ بِفِعْلٍ آخَرَ يَفْعَلُهُ أَحَدُهُمَا، فَأَبْطَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ عُقُودَ التَّمْلِيكَاتِ لَا تَتَعَلَّقُ عَلَى الْأَخْطَارِ.
وَإِنَّمَا جَعَلَ