وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِمِلْكِهِ لَا لِرُكُوبِهِ وَلَبَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُرْكَبُ أَوْ يُحْلَبُ لَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ اللَّبَنَ وَالظَّهْرَ لِلْمُرْتَهِنِ بِالنَّفَقَةِ الَّتِي يُنْفِقُهَا.
وَقَدْ بَيَّنَّ ذَلِكَ هُشَيْمٌ فِي حَدِيثِهِ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَفُهَا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُ نَفَقَتُهَا، وَيُرْكَبُ ﴾ فَبَيَّنَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ هُوَ الَّذِي تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَيَكُونُ لَهُ ظَهْرُهُ وَلَبَنُهُ ؛ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :( إنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ ) فَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا لَهُ.
وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ :( لَا يُنْتَفَعُ مِنْ الرَّهْنِ بِشَيْءٍ ) فَقَدْ تَرَكَ الشَّعْبِيُّ ذَلِكَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ غَيْرَ ثَابِتٍ فِي الْأَصْلِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا وَهُوَ مَنْسُوخٌ عِنْدَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا لِأَنَّ مِثْلَهُ كَانَ جَائِزًا قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فَلَمَّا حُرِّمَ الرِّبَا وَرُدَّتْ الْأَشْيَاءُ إلَى مَقَادِيرِهَا ؛ صَارَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ النَّفَقَةَ بَدَلًا مِنْ اللَّبَنِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ؟ وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ فِي الْمُصَرَّاةِ أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ مِقْدَارَ اللَّبَنِ الَّذِي أَخَذَهُ وَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَنَا مَنْسُوخٌ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا.
وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِإِيجَابِ الرُّكُوبِ وَاللَّبَنِ لِلرَّاهِنِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مِنْ صِفَاتِ الرَّهْنِ الْقَبْضَ كَمَا جَعَلَ مِنْ صِفَاتِ الشَّهَادَةِ الْعَدَالَةَ بِقَوْلِهِ :{