وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ شَرَطَ مِلْكَ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ :( إذَا رَهَنَهُ رَهْنًا وَقَالَ إنْ جِئْتُك بِالْمَالِ إلَى شَهْرٍ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعٌ، فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ) وَقَالَ مَالِكٌ :" الرَّهْنُ فَاسِدٌ وَيَنْقَضِ، فَإِنْ لَمْ يُنْقَضْ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ بِحَقِّهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ فِي يَدِهِ لَمْ يُرَدَّ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ ؛ وَهَذَا فِي السِّلَعِ وَالْحَيَوَانِ وَأَمَّا فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا إلَى الرَّاهِنِ وَإِنْ تَطَاوَلَ إلَّا أَنْ تَنْهَدِمَ الدَّارُ أَوْ يُبْنَى فِيهَا أَوْ يُغْرَسُ فِي الْأَرْضِ، فَهَذَا فَوْتٌ وَيُغْرَمُ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ " وَقَالَ الْمُعَافَى عَنْ الثَّوْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَرْهَنُ صَاحِبَهُ الْمَتَاعَ وَيَقُولُ : إنْ لَمْ آتِك فَهُوَ لَك، قَالَ :( لَا يَغْلَقُ ذَلِكَ الرَّهْنُ ) وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ : لَيْسَ قَوْلُهُ هَذَا بِشَيْءٍ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ :" لَوْ رَهَنَهُ وَشَرَطَ لَهُ إنْ لَمْ يَأْتِهِ بِالْحَقِّ إلَى كَذَا فَالرَّهْنُ لَهُ بَيْعٌ، فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وَالرَّهْنُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الرَّهْنِ وَفَسَادِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ أَنَّ قَوْلَهُ ( لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ ) أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالدَّيْنِ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ لِلشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَاهُ، فَإِنَّمَا نَفَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلْقَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَنْفِ صِحَّةَ الرَّهْنِ الَّذِي شَرَطَاهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الرَّهْنِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ.
وَهُوَ أَيْضًا قِيَاسُ الْعُمْرَى الَّتِي أَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا الشَّرْطَ وَأَجَازَ الْهِبَةَ ؛ وَالْمَعْنَى


الصفحة التالية
Icon