تَعَالَى :﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ مِنْ الشَّكِّ وَالنِّفَاقِ.
وَرُوِيَ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ مِثْلُ ذَلِكَ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنِ عُبَيْدٍ : كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ : هِيَ مُحْكَمَةٌ لَمْ تُنْسَخْ.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ فِي الشَّكِّ وَالْيَقِينِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً لِمَعْنَيَيْنِ : أَحَدِهِمَا أَنَّ الْأَخْبَارَ لَا يَجُوزُ فِيهَا النَّسْخُ لِأَنَّ نَسْخَ مُخْبِرِهَا يَدُلُّ عَلَى الْبَدَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِالْعَوَاقِبِ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَيْهِ الْبَدَاءُ وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهَا لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَعَبَثٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَعَالَى عَنْ فِعْلِ الْعَبَثِ.
وَإِنَّمَا قَوْلُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ فَإِنَّهُ غَلَطٌ مِنْ الرَّاوِي فِي اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بَيَانَ مَعْنَاهَا وَإِزَالَةَ التَّوَهُّمِ عَنْ صَرْفِهِ إلَى غَيْرِ وَجْهِهِ.
وَقَدْ رَوَى مِقْسَمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ ؛ وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلُهُ عَنْ غَيْرِهِمَا أَنَّهَا فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ.
وَهَذِهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ عُمُومٌ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ عَامٌّ فِي الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا.
وَمِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِكَسْبِ الْقَلْبِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ أَيْ شَكٌّ.
فَإِنْ قِيلَ : رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ﴿ إنَّ اللَّهَ عَفَا لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ ﴾.
قِيلَ لَهُ : هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فَلَا يَقَعُ عِتْقُهُ وَلَا طَلَاقُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا هِبَتُهُ بِالنِّيَّةِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ فِيمَا يُؤَاخَذُ بِهِ مِمَّا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ