وَمِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ بَيَّنَّا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ مَعْنَى الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْقَسِمُ إلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَصِحُّ وَصْفُ الْقُرْآنِ بِجَمِيعِهِ، وَالْآخَرُ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُ الْقُرْآنِ دُونَ بَعْضٍ ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ فَوَصَفَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِالْإِحْكَامِ ؛ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾ فَوَصَفَ جَمِيعَهُ بِالْمُتَشَابِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ :﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ فَوَصَفَ هَهُنَا بَعْضَهُ بِأَنَّهُ مُحْكَمٌ وَبَعْضَهُ بِأَنَّهُ مُتَشَابِهٌ ؛ وَالْإِحْكَامُ الَّذِي عَمَّ بِهِ الْجَمِيعَ هُوَ الصَّوَابُ وَالْإِتْقَانُ اللَّذَانِ يَفْضُلُ بِهِمَا الْقُرْآنُ كُلَّ قَوْلٍ.
وَأَمَّا مَوْضِعُ الْخُصُوصِ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ اللَّفْظُ الَّذِي لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ وَلَا يَحْتَمِلُ عِنْدَ سَامِعِهِ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهِ.
إلَّا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا مَحَالَةَ قَدْ انْتَظَمَهُ لَفْظُ الْإِحْكَامِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ الَّذِي جُعِلَ أُمًّا لِلْمُتَشَابِهِ الَّذِي يُرَدُّ إلَيْهِ وَيُحْمَلُ مَعْنَاهُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ الَّذِي عَمَّ بِهِ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ﴾ فَهُوَ التَّمَاثُلُ وَنَفَى الِاخْتِلَافَ وَالتَّضَادَّ عَنْهُ.
وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ الْمَخْصُوصُ بِهِ بَعْضُ الْقُرْآنِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَقَاوِيلَ السَّلَفِ فِيهِ ؛ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ الْمُحْكَمَ هُوَ