، كَأَمْرِ السَّاعَةِ وَصَغَائِرِ الذُّنُوبِ الَّتِي آيَسَنَا اللَّهُ مِنْ وُقُوعِ عِلْمِنَا بِهَا فِي الدُّنْيَا " وَإِنَّ هَذَا الضَّرْبَ أَيْضًا مِنْهَا خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّا لَا نَصِلُ إلَى عِلْمِ مَعْنَى الْمُتَشَابِهِ بِرَدِّهِ إلَى الْمُحْكَمِ.
فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ أَقْسَامِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ مِمَّا يَجِبُ بِنَاءُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَحَمْلُهُ عَلَى مَعْنَاهُ إلَّا الْوَجْهُ الْأَخِيرُ الَّذِي قُلْنَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَشَابِهُ اللَّفْظَ الْمُحْتَمِلَ لِلْمَعَانِي، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُحْكَمِ الَّذِي لَا احْتِمَالَ فِيهِ، وَلَا اشْتِرَاكَ فِي لَفْظِهِ مِنْ نَظَائِرِ مَا قَدَّمْنَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى وَجْهَيْنِ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَالسَّمْعِيَّاتِ.
وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ السَّلَفِ عَلَى اخْتِلَافِهَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُمْ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ وُجُوهِهَا، وَيَكُونُ الْوَجْهُ الَّذِي يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُحْكَمِ هُوَ هَذَا الْوَجْهُ الْأَخِيرُ لِامْتِنَاعِ إمْكَانِ حَمْلِ سَائِرِ وُجُوهِ الْمُتَشَابِهِ عَلَى الْمُحْكَمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِهِ ؛ ثُمَّ يَكُونُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ ﴾ مَعْنَاهُ تَأْوِيلُ جَمِيعِ الْمُتَشَابِهِ حَتَّى لَا يَسْتَوْعِبَ غَيْرُهُ عِلْمَهَا، فَنَفَى إحَاطَةَ عِلْمِنَا بِجَمِيعِ مَعَانِي الْمُتَشَابِهَاتِ مِنْ الْآيَاتِ وَلَمْ يَنْفِ بِذَلِكَ أَنْ نَعْلَمَ نَحْنُ بَعْضَهَا بِإِقَامَتِهِ لَنَا الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ ﴾.
لِأَنَّ فِي فَحَوَى الْآيَةِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّا نَعْلَمُ بَعْضَ الْمُتَشَابِهِ بِرَدِّهِ إلَى الْمُحْكَمِ، وَحَمْلِهِ عَلَى مَعْنَاهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ ذَلِكَ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَدُلَّ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ رَدِّهِ إلَى الْمُحْكَمِ.
وَتَدُلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّا لَا نَصِلُ إلَى عِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ ؛ فَإِذًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْله


الصفحة التالية
Icon