فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ وَجْهُ اتِّبَاعِ مَنْ فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ دُونَ مَا أُحْكِمَ ؟ قِيلَ لَهُ : نَحْوُ مَا رَوَى الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ ﴿ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي وَفْدِ نَجْرَانَ لَمَّا حَاجُّوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسِيحِ فَقَالُوا : أَلَيْسَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحًا مِنْهُ ؟ فَقَالَ : بَلَى فَقَالُوا : حَسْبُنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ﴾ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ } فَصَرَفُوا قَوْلَهُ :" كَلِمَةُ اللَّهِ " إلَى مَا يَقُولُونَهُ فِي قِدَمِهِ مَعَ اللَّهِ وَرُوحِهِ، صَرَفُوهُ إلَى أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ قَدِيمٌ مَعَهُ كَرُوحِ الْإِنْسَانِ.
وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ :﴿ كَلِمَتُهُ ﴾ أَنَّهُ بَشَّرَ بِهِ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَسَمَاهُ كَلِمَةً مِنْ حَيْثُ قَدَّمَ الْبِشَارَةَ بِهِ، وَسَمَاهُ رُوحَهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ بَلْ أَمَرَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَفَخَ فِي جَيْبِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَأَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ تَعَالَى تَشْرِيفًا لَهُ، كَبَيْتِ اللَّهِ وَسَمَاءِ اللَّهِ، وَأَرْضِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقِيلَ إنَّهُ سَمَّاهُ رُوحًا كَمَا سَمَّى الْقُرْآنَ رُوحًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ﴾ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ رُوحًا مِنْ حَيْثُ كَانَ فِيهِ حَيَاةُ النَّاسِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ ؛ فَصَرَفَ أَهْلُ الزَّيْغِ ذَلِكَ إلَى مَذَاهِبِهِمْ الْفَاسِدَةِ وَإِلَى مَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ : أَهْلُ الزَّيْغِ الْمُتَّبِعُونَ لِلْمُتَشَابِهِ مِنْهُ هُمْ الْحَرُورِيَّةُ وَالسَّبَئِيَّةُ.