قَوْله تَعَالَى :﴿ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ﴾ الْهِبَةُ : تَمْلِيكُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ، وَيَقُولُونَ : قَدْ تَوَاهَبُوا الْأَمْرَ بَيْنَهُمْ.
وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ هِبَةً عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ هِبَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكُ شَيْءٍ.
وَقَدْ كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا لَا يَقَعُ فِيهِ تَمْلِيكٌ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُخْلِصَ لَهُ الْوَلَدَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوِرَاثَتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْعِلْمَ أَطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَ الْهِبَةِ.
كَمَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى بَذْلَ النَّفْسِ لِلْجِهَادِ فِي اللَّهِ شِرَاءً بِقَوْلِهِ :﴿ إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ﴾ وَهُوَ تَعَالَى مَالِكُ الْجَمِيعِ مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ قَبْلَ أَنْ جَاهَدُوا وَبَعْدَهُ، وَسَمَّى ذَلِكَ شِرَاءً ؛ لِمَا وَعَدَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ.
وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ : هَبْ لِي جِنَايَةَ فُلَانٍ، وَلَا تَمْلِيكَ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ إسْقَاطَ حُكْمِهَا.