وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِمَوْتِهِ وَبَلَغَهَا الْخَبَرُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ :( عِدَّتُهَا مُنْذُ يَوْمِ يَمُوتُ، وَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَ ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ فِي آخَرِينَ، وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَخِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو :( مِنْ يَوْمَ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ فِي الْمَوْتِ، وَفِي الطَّلَاقِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَ ) وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ :( إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ، وَإِذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَمِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ ).
وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِأَنْ يَكُونَ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ الْمَوْتِ فَأَمَرَهَا بِالِاحْتِيَاطِ مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ :﴿ وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ فَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ وَبِالطَّلَاقِ، فَوَاجِبٌ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ فِيهِمَا مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ ؛ وَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا وَقْتَ بُلُوغِ الْخَبَرِ، كَذَلِكَ عِدَّةُ الْوَفَاةِ ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا سَبَبَا وُجُوبِ الْعِدَّةِ ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَيْسَتْ هِيَ فِعْلُهَا فَيُعْتَبَرُ فِيهَا عِلْمُهَا، وَإِنَّمَا هِيَ مُضِيُّ الْأَوْقَاتِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِهَا بِذَلِكَ وَبَيْنَ جَهْلِهَا بِهِ.
وَأَيْضًا لَمَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مُوجَبَةٌ عَنْ الْمَوْتِ كَالْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمِيرَاثِ وَقْتُ الْوَفَاةِ لَا وَقْتُ بُلُوغِ خَبَرِهَا، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ الْعِدَّةُ وَأَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِيهَا حُكْمُ الْعِلْمِ


الصفحة التالية
Icon