قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾ قِيلَ فِي قَوْلِهِ :﴿ اصْطَفَاكِ ﴾ :" اخْتَارَكِ بِالتَّفْضِيلِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فِي زَمَانِهِمْ " يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ جُرَيْجٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُمَا :" مَعْنَاهُ أَنَّهُ اخْتَارَك عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ بِحَالٍ جَلِيلَةٍ مِنْ وِلَادَةِ الْمَسِيحِ " وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ :" وَطَهَّرَكِ مِنْ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا سَائِغٌ، كَمَا جَازَ إطْلَاقُ اسْمِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْكَافِرِ ؛ لِأَجْلِ الْكُفْرِ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ وَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الْكُفْرِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ ﴿ وَطَهَّرَكِ ﴾ بِطَهَارَةِ الْإِيمَانِ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِنَجَسٍ ﴾، يَعْنِي بِهِ نَجَاسَةَ الْكُفْرِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ وَالْمُرَادُ طَهَارَةُ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَاتِ.
وَقِيلَ : إنَّ الْمُرَادَ " وَطَهَّرَكِ مِنْ سَائِرِ الْأَنْجَاسِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِهِمَا ".
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وَجْهِ تَطْهِيرِ الْمَلَائِكَةِ لِمَرْيَمَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إلَّا رِجَالًا نُوحِي إلَيْهِمْ ﴾ فَقَالَ قَائِلٌ :" كَانَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لِزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ ".
وَقَالَ آخَرُونَ :" عَلَى وَجْهِ إرْهَاصِ نُبُوَّةِ الْمَسِيحِ، كَحَالِ الشُّهُبِ وَإِظْلَالِ الْغَمَامَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ ".