قَوْله تَعَالَى :﴿ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ﴾ الِاحْتِجَاجُ الْمُتَقَدِّمُ لِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى النَّصَارَى فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللَّهِ وَهُمْ ﴿ وَفْدُ نَجْرَانَ وَفِيهِمْ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ قَالَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ رَأَيْت وَلَدًا مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :{ إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ﴾ } ؛ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا حَكَى عَنْ الْمَسِيحِ :﴿ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾ إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ﴾ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْإِنْجِيلِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ :" إنِّي ذَاهِبٌ إلَى أَبِي، وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ " ؛ وَالْأَبُ السَّيِّدُ فِي تِلْكَ اللُّغَةِ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ : وَأَبِي، وَأَبِيكُمْ ؟ فَعَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْأُبُوَّةَ الْمُقْتَضِيَةَ لَلْبُنُوَّةِ، فَلَمَّا قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِمَا عَرَفُوهُ وَاعْتَرَفُوا بِهِ، وَأَبْطَلَ شُبْهَتَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ بِأَمْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَاهُمْ حِينَئِذٍ إلَى الْمُبَاهَلَةِ فَقَالَ تَعَالَى :﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ﴾ الْآيَةَ ؛ فَنَقَلَ رُوَاةُ السِّيَرِ وَنَقْلَةُ الْأَثَرِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ :﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ثُمَّ دَعَا النَّصَارَى الَّذِينَ حَاجُّوهُ إلَى الْمُبَاهَلَةِ، فَأَحْجَمُوا عَنْهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إنْ بَاهَلْتُمُوهُ اضْطَرَمَ الْوَادِي عَلَيْكُمْ نَارًا، وَلَمْ يَبْقَ نَصْرَانِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيَّةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾.
وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ دَحْضُ شُبَهِ النَّصَارَى فِي أَنَّهُ إلَهٌ أَوْ ابْنُ الْإِلَهِ ؛ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ