وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ جَنَى فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ لَاذَ إلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ :" إذَا قَتَلَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ مَا دَامَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ لَا يُبَايَعُ، وَلَا يُؤَاكَلُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ فَيُقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ قُتِلَ، وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ اُقْتُصَّ مِنْهُ ".
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ :" يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ ذَلِكَ كُلُّهُ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ فِيمَنْ قَتَلَ ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :" وَلَكِنَّهُ لَا يُجَالَسُ، وَلَا يُؤْوَى، وَلَا يُبَايَعُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ فَيُقْتَلَ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ ".
وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ :" لَا يَمْنَعُ الْحَرَمُ مَنْ أَصَابَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ "، قَالَ : وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ :﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ :" كَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا جَرَّ كُلَّ جَرِيرَةٍ ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ، فَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا شِدَّةً، مَنْ أَصَابَ الْحَدَّ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ".
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ قَالَا :" إذَا أَصَابَ حَدًّا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ أُخْرِجَ عَنْ الْحَرَمِ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ " وَعَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ.
وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يُضْطَرَّ إلَى الْخُرُوجِ بِتَرْكِ مَجَالِسِهِ وَإِيوَائِهِ وَمُبَايَعَتِهِ وَمُشَارَاتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ مُفَسَّرًا، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَا رُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ الْحَسَنِ فِي إخْرَاجِهِ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى هَذَا