الدَّيْنِ عُقُوبَةٌ، فَجَعَلَ الْحَبْسَ عُقُوبَةً وَهُوَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَكُلُّ حَقٍّ وَجَبَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أُخِذَ بِهِ وَإِنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ قِيَاسًا عَلَى الْحَبْسِ فِي الدَّيْنِ.
وَأَيْضًا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ أَنَّ الْجَانِيَ فِي الْحَرَمِ مَأْخُوذٌ بِجِنَايَتِهِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا جَنَى فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ فِي الْحَرَمِ أَنَّهُ لَا يُبَايَعُ، وَلَا يُشَارَى، وَلَا يُؤْوَى حَتَّى يَخْرُجَ، وَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَجَبَ اسْتِعْمَالُ الْحُكْمِ الْآخَرِ فِيهِ فِي تَرْكِ مُشَارَاتِهِ وَمُبَايَعَتِهِ وَإِيوَائِهِ.
فَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا لَا خِلَافَ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ جَنَى فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ ؛ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا حَصَلَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسِ بْنِ كَامِلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا يَسْكُنُ مَكَّةَ سَافِكُ دَمٍ وَلَا آكِلُ رِبًا وَلَا مَشَّاءٌ بِنَمِيمَةٍ ﴾.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ لَمْ يُؤْوَ، وَلَمْ يُجَالَسْ، وَلَمْ يُبَايَعْ، وَلَمْ يُشَارَ وَلَمْ يُطْعَمْ، وَلَمْ يُسْقَ حَتَّى يَخْرُجَ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا يَسْكُنُهَا سَافِكُ دَمٍ ﴾.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ : حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :" إذَا دَخَلَ الْقَاتِلُ الْحَرَمَ لَمْ


الصفحة التالية
Icon