مِنْ الشُّهُورِ بَعْدَ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَحْتَجُّ بِمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ اسْتَقْبَلَ الشَّهْرَ الَّذِي يَلِيهِ بِالْهِلَالِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ انْتِهَاؤُهُ بِالْهِلَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ﴾.
وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ أَنَّهَا كَانَتْ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحْرَمَ وَصَفَرَ وَرَبِيعَ الْأَوَّلَ وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعِ الْآخِرِ، فَاعْتُبِرَ الْهِلَالُ فِيمَا يَأْتِي مِنْ الشُّهُورِ دُونَ عَدَدِ الْأَيَّامِ، فَوَجَبَ مِثْلُهُ فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْمُدَّةِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَعَشْرًا ﴾ ظَاهِرُهَا أَنَّهَا اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ مُرَادَةٌ مَعَهَا، وَلَكِنْ غُلِّبَتْ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ إذَا اجْتَمَعَتْ فِي التَّارِيخِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ شُهُورِ الْأَهِلَّةِ بِاللَّيَالِيِ مُنْذُ طُلُوعِ الْأَهِلَّةِ، فَلَمَّا كَانَ ابْتِدَاؤُهَا اللَّيْلَ غُلِّبَتْ اللَّيَالِي وَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ دُونَ الْأَيَّامِ وَإِنْ كَانَتْ تُفِيدُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ، وَلَوْ ذَكَرَ جَمْعًا مِنْ الْأَيَّامِ أَفَادَتْ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ :﴿ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ﴾ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ، فَاكْتَفَى تَارَةً بِذِكْرِ الْأَيَّامِ عَنْ اللَّيَالِي وَتَارَةً بِذِكْرِ اللَّيَالِي عَنْ الْأَيَّامِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ﴾ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ :﴿ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ ﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدَيْنِ إذَا أُطْلِقَ أَفَادَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْآخَرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ الْعَدَدَانِ مِنْ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ فُصِلَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ﴾ ؟ وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ( صُمْنَا عَشْرًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ) فَيُعَبِّرُونَ بِذِكْرِ اللَّيَالِي عَنْ الْأَيَّامِ ؛ لِأَنَّ عَشْرًا لَا تَكُونُ إلَّا


الصفحة التالية
Icon