قَوْله تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾.
رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ ﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ :" هُوَ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى ".
وَقِيلَ إنَّ مَعْنَاهُ اتِّقَاءُ جَمِيعِ مَعَاصِيهِ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي نَسْخِهِ ؛ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَعَنْ قَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَالسُّدِّيِّ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ ؛ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ اتِّقَاءُ جَمِيعِ مَعَاصِيهِ، وَعَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ اتِّقَاءُ جَمِيعِ الْمَعَاصِي.
وَلَوْ كَانَ مَنْسُوخًا لَكَانَ فِيهِ إبَاحَةُ بَعْضِ الْمَعَاصِي، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَقِيلَ : إنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَالِ الْخَوْفِ وَالْأَمْنِ، وَتَرْكَ التَّقِيَّةِ فِيهَا، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي حَالِ التَّقِيَّةِ وَالْإِكْرَاهِ، وَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى :﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ فِيمَا لَا تَخَافُونَ فِيهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، يُرِيدُ : فِيمَا لَا يَكُونُ فِيهِ احْتِمَالُ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ نَفْيُ الِاسْتِطَاعَةِ فِيمَا يَشُقُّ عَلَى الْإِنْسَانِ فِعْلُهُ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ﴾ وَمُرَادُهُ مَشَقَّةُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.


الصفحة التالية
Icon