قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾.
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْنَى الْحَبْلِ هَهُنَا :" أَنَّهُ الْقُرْآنُ " وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ.
وَقِيلَ : إنَّ الْمُرَادَ بِهِ دِينُ اللَّهِ.
وَقِيلَ : بِعَهْدِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ النَّجَاةِ كَالْحَبْلِ الَّذِي يُتَمَسَّكُ بِهِ لِلنَّجَاةِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ نَحْوِهِ.
وَيُسَمَّى الْأَمَانُ الْحَبْلَ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ النَّجَاةِ، وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ ﴾ يَعْنِي بِهِ الْأَمَانَ.
إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ أَمْرٌ بِالِاجْتِمَاعِ وَنَهْيٌ عَنْ الْفُرْقَةِ، وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ :﴿ وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ مَعْنَاهُ التَّفَرُّقُ عَنْ دِينِ اللَّهِ الَّذِي أُمِرُوا جَمِيعًا بِلُزُومِهِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ :" وَلَا تَفَرَّقُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ فَرِيقَانِ مِنْ النَّاسِ : أَحَدُهُمَا : نُفَاتَ الْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ، مِثْلُ النِّظَامِ، وَأَمْثَالِهِ مِنْ الرَّافِضَةِ.
وَالْآخَرُ مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ، وَيَقُولُ مَعَ ذَلِكَ : إنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ مِنْ أَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَيُخْطِئُ مَنْ لَمْ يُصِبْ الْحَقَّ عِنْدَهُ ؛ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ :﴿ وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾.
فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ التَّفَرُّقُ وَالِاخْتِلَافُ دِينًا لِلَّهِ تَعَالَى مَعَ نَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ.
وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا كَمَا قَالُوا ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنْحَاءَ : مِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ الْخِلَافُ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي دَلَّتْ الْعُقُولُ عَلَى حَظْرِهِ فِي كُلِّ حَالٍ أَوْ عَلَى إيجَابِهِ فِي كُلِّ حَالٍ ؛ فَأَمَّا مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ تَارَةً وَاجِبًا وَتَارَةً مَحْظُورًا وَتَارَةً مُبَاحًا، فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ سَائِغٌ


الصفحة التالية
Icon