فَإِذَا كَانَ مُنْكِرًا لِلْمُنْكَرِ بِقَلْبِهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي وَعِيدِ فَاعِلِيهِ، بَلْ هُوَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ وَحَدَّثَنَا مَكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَطِيَّةَ الْكُوفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ : لَمَّا بَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ قَتْلُ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغَ بَكَى حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَمُوتُ، فَخَلَوْت بِهِ فَقَالَ : كَانَ وَاَللَّهِ رَجُلًا عَاقِلًا، وَلَقَدْ كُنْت أَخَافُ عَلَيْهِ هَذَا الْأَمْرَ ؛ قُلْت : وَكَيْفَ كَانَ سَبَبُهُ ؟ قَالَ : كَانَ يَقْدُمُ وَيَسْأَلُنِي، وَكَانَ شَدِيدَ الْبَذْلِ لِنَفْسِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَكَانَ شَدِيدَ الْوَرَعِ، كُنْت رُبَّمَا قَدَّمْت إلَيْهِ الشَّيْءَ فَيَسْأَلُنِي عَنْهُ، وَلَا يَرْضَاهُ، وَلَا يَذُوقُهُ وَرُبَّمَا رَضِيَهُ فَأَكْلَهُ، فَسَأَلَنِي عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، إلَى أَنْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ فَرِيضَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لِي : مُدَّ يَدَك حَتَّى أُبَايِعَك فَأَظْلَمَتْ الدُّنْيَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ ؛ فَقُلْت : وَلِمَ ؟ قَالَ : دَعَانِي إلَى حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ فَامْتَنَعْت عَلَيْهِ وَقُلْت لَهُ إنْ قَامَ بِهِ رَجُلٌ وَحْدَهُ قُتِلَ، وَلَمْ يَصْلُحْ لِلنَّاسِ أَمْرٌ، وَلَكِنْ إنْ وَجَدَ عَلَيْهِ أَعْوَانًا صَالِحِينَ وَرَجُلًا يَرْأَسُ عَلَيْهِمْ مَأْمُونًا عَلَى دَيْنِ اللَّهِ لَا يَحُولُ.
قَالَ : وَكَانَ يَقْتَضِي ذَلِكَ كُلَّمَا قَدِمَ عَلَى تَقَاضِي الْغَرِيمِ الْمُلِحِّ كُلَّمَا قَدِمَ عَلَيَّ تَقَاضَانِي، فَأَقُولُ لَهُ : هَذَا أَمْرٌ لَا يَصْلُحُ بِوَاحِدٍ مَا أَطَاقَتْهُ الْأَنْبِيَاءُ حَتَّى عَقَدَتْ عَلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ، وَهَذِهِ فَرِيضَةٌ لَيْسَتْ كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْفَرَائِضِ يَقُومُ بِهَا الرَّجُلُ وَحْدَهُ وَهَذَا مَتَى أُمِرَ بِهِ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَشَاطَ بِدَمِهِ وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْقَتْلِ فَأَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِينَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ.
وَإِذَا


الصفحة التالية
Icon