قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ ﴾ قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿ كُنْتُمْ ﴾ وُجُوهٌ : رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَعْنِي فِيمَا تَقَدَّمَتْ الْبِشَارَةُ وَالْخَبَرُ بِهِ مِنْ ذِكْرِ الْأُمَمِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، قَالَ الْحَسَنُ : نَحْنُ آخِرُهَا، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّهُ ﴿ سَمِعَ، النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي قَوْله تَعَالَى :{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ قَالَ : أَنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى }.
فَكَانَ مَعْنَاهُ : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أَخْبَرَ اللَّهُ بِهَا أَنْبِيَاءَهُ فِيمَا أَنْزَلَ إلَيْهِمْ مِنْ كُتُبِهِ وَقِيلَ : إنَّ دُخُولَ " كَانَ " وَخُرُوجَهَا بِمَنْزِلَةِ " إلَّا " بِمِقْدَارِ دُخُولِهَا لِتَأْكِيدِ وُقُوعِ الْأَمْرِ لَا مَحَالَةَ ؛ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا قَدْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وُقُوعُ ذَلِكَ.
وَقِيلَ :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ بِمَعْنَى حَدَثْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ، فَيَكُونُ " خَيْرَ أُمَّةٍ " بِمَعْنَى الْحَالِ.
وَقِيلَ :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَقِيلَ : كُنْتُمْ مُنْذُ أَنْتُمْ، لِيَدُلَّ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِمْ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ اللَّهِ صِفَةَ مَدْحٍ إلَّا وَهُمْ قَائِمُونَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ ضَالِّينَ.
وَالثَّانِي : إخْبَارُهُ بِأَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ فَهُوَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ هُوَ أَمْرُ


الصفحة التالية
Icon