قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ﴾ فِيهِ إخْبَارٌ بِتَقَدُّمِ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِالنَّصْرِ عَلَى عَدُوِّهِمْ مَا لَمْ يَتَنَازَعُوا وَيَخْتَلِفُوا، فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ يَوْمَ أُحُدٍ ظَهَرُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ وَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الرُّمَاةَ بِالْمُقَامِ فِي مَوْضِعٍ وَأَنْ لَا يَبْرَحُوا، فَعَصَوْا وَخَلَّوْا مَوَاضِعَهُمْ حِينَ رَأَوْا هَزِيمَةَ الْمُشْرِكِينَ وَظَنُّوا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ بَاقِيَةٌ وَاخْتَلَفُوا وَتَنَازَعُوا، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ وَرَائِهِمْ فَقَتَلُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَنْ قَتَلُوا بِتَرْكِهِمْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِصْيَانِهِمْ.
وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا مَوْعُودَ اللَّهِ كَمَا وَعَدَ قَبْلَ الْعِصْيَانِ، فَلَمَّا عَصَوْا وُكِلُوا إلَى أَنْفُسِهِمْ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّصْرَ مِنْ اللَّهِ فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ مَضْمُونٌ بِاتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي طَاعَتِهِ، وَعَلَى هَذَا جَرَتْ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ فِي نَصْرِهِمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ.
وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ إنَّمَا يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ بِالدِّينِ وَيَرْجُونَ النَّصْرَ عَلَيْهِمْ وَغَلَبَتَهُمْ بِهِ لَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ﴾.
فَأَخْبَرَ أَنَّ هَزِيمَتَهُمْ إنَّمَا كَانَتْ لِتَرْكِهِمْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِخْلَالِ بِمَرَاكِزِهِمْ الَّتِي رُتِّبُوا فِيهَا.
وَقَالَ تَعَالَى :﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾.
وَإِنَّمَا أُتُوا مِنْ قَبْلُ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الدُّنْيَا مِنْهُمْ ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : مَا ظَنَنْت أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ


الصفحة التالية
Icon