يَسُوغُ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ لِتَقْتَدِي بِهِ الْأُمَّةُ مَعَ عِلْمِ الْأُمَّةِ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَشُورَةَ لَمْ تُفِدْ شَيْئًا وَلَمْ يُعْمَلْ فِيهَا بِشَيْءٍ أَشَارُوا بِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْأُمَّةِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهَا فَوَاجِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ تَشَاوُرُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى هَذَا السَّبِيلِ وَأَنْ لَا تُنْتِجَ الْمَشُورَةُ رَأْيًا صَحِيحًا وَلَا قَوْلًا مَعْمُولًا ؛ لِأَنَّ مُشَاوَرَتَهُمْ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ كَانَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنْ كَانَتْ مَشُورَةُ الْأُمَّةِ فِيمَا بَيْنَهَا تُنْتِجُ رَأْيًا صَرِيحًا وَقَوْلًا مَعْمُولًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ اقْتِدَاءٌ بِالصَّحَابَةِ عِنْدَ مُشَاوَرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ، وَإِذْ قَدْ بَطَلَ هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لِمُشَاوَرَتِهِ إيَّاهُمْ فَائِدَةٌ تُسْتَفَادُ بِهَا وَأَنْ يَكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ طَرِيقٌ مِنْ الِارْتِئَاءِ وَالِاجْتِهَادِ، فَجَائِزٌ حِينَئِذٍ أَنْ تُوَافِقَ آرَاؤُهُمْ رَأْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَائِزٌ أَنْ يُوَافِقَ رَأْيُ بَعْضِهِمْ رَأْيَهُ وَجَائِزٌ أَنْ يُخَالِفَ رَأْيَ جَمِيعِهِمْ فَيَعْمَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ بِرَأْيِهِ، وَيَكُونُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُعَنِّفِينَ فِي اجْتِهَادِهِمْ بَلْ كَانُوا مَأْجُورِينَ فِيهِ لِفِعْلِهِمْ مَا أُمِرُوا بِهِ، وَيَكُونُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ تَرْكُ آرَائِهِمْ وَاتِّبَاعُ رَأْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُشَاوَرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُشَاوِرَهُمْ فِي الْمَنْصُوصَاتِ، وَلَا يَقُولُ لَهُمْ مَا رَأْيُكُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ ؟ وَلَمَّا لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَ الدِّينِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُشَاوَرَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيهِمَا جَمِيعًا