قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونِ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ ﴾ الْآيَةَ.
قَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَرْبَعَةَ أَحْكَامٍ : أَحَدُهَا : الْحَوْلُ، وَقَدْ نُسِخَ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ؛ وَالثَّانِي : نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا فِي مَالِ الزَّوْجِ فَقَدْ نُسِخَ بِالْمِيرَاثِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهَا لَهَا عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ لِأَزْوَاجِهِمْ كَمَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَنُسِخَتْ بِالْمِيرَاثِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ﴾.
وَمِنْهَا الْإِحْدَادُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ مِنْ الْآيَةِ، فَحُكْمُهُ بَاقٍ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهَا انْتِقَالُهَا عَنْ بَيْتِ زَوْجِهَا، فَحُكْمُهُ بَاقٍ فِي حَظْرِهِ، فَنُسِخَ مِنْ الْآيَةِ حُكْمَانِ وَبَقِيَ حُكْمَانِ، وَلَا نَعْلَمُ آيَةً اشْتَمَلَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ فَنُسِخَ مِنْهَا اثْنَانِ وَبَقِيَ اثْنَانِ غَيْرَهَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى :﴿ غَيْرَ إخْرَاجٍ ﴾ مَنْسُوخًا ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السُّكْنَى الْوَاجِبَةَ فِي مَالِ الزَّوْجِ فَقَدْ نُسِخَ كَوْنُهَا فِي مَالِ الزَّوْجِ، فَصَارَ حَظْرُ الْإِخْرَاجِ مَنْسُوخًا.
إلَّا أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ غَيْرَ إخْرَاجٍ ﴾ قَدْ تَضَمَّنَ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وُجُوبُ السُّكْنَى فِي مَالِ الزَّوْجِ، وَالثَّانِي حَظْرُ الْخُرُوجِ وَالْإِخْرَاجِ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَمْنُوعِينَ مِنْ إخْرَاجِهَا فَهِيَ لَا مَحَالَةَ مَأْمُورَةٌ بِاللُّبْثِ، فَإِذَا نُسِخَ وُجُوبُ السُّكْنَى فِي مَالِ الزَّوْجِ بَقِيَ حُكْمُ لُزُومِ اللُّبْثِ فِي الْبَيْتِ " وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَفَقَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ :( نَفَقَتُهَا عَلَى نَفْسِهَا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ.