بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ :( أَنْ يَقُولَ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ نَجْتَمِعَ ).
وقَوْله تَعَالَى :﴿ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾ يَعْنِي أَضْمَرْتُمُوهُ مِنْ التَّزْوِيجِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَأَبَاحَ التَّعْرِيضَ بِالْخِطْبَةِ وَإِضْمَارَ نِكَاحِهَا مِنْ غَيْرِ إفْصَاحٍ بِهِ.
وَذَكَرَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ احْتَجَّ فِي نَفْيِ الْحَدِّ فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ التَّعْرِيضَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ، كَذَلِكَ لَا يُجْعَلُ التَّعْرِيضُ بِالْقَذْفِ كَالتَّصْرِيحِ.
قَالَ إسْمَاعِيلُ : فَاحْتَجَّ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ ؛ إذْ التَّعْرِيضُ بِالنِّكَاحِ قَدْ فُهِمَ بِهِ مُرَادُ الْقَائِلِ، فَإِذَا فُهِمَ بِهِ مُرَادُهُ وَهُوَ الْقَذْفُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْقَاذِفِ.
قَالَ : وَإِنَّمَا يُزِيلُ الْحَدَّ عَنْ الْمُعَرِّضِ بِالْقَذْفِ مَنْ يُزِيلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ بِتَعْرِيضِهِ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَذْفَ ؛ إذْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِغَيْرِهِ.
قَالَ : وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِهِ هَذَا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ جَائِزٌ مُبَاحٌ كَمَا أُبِيحَ التَّعْرِيضُ بِالْخِطْبَةِ بِالنِّكَاحِ.
قَالَ : وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ التَّعْرِيضُ بِالنِّكَاحِ دُونَ التَّصْرِيحِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْهُمَا وَيَقْتَضِي خِطْبَتُهُ جَوَابًا مِنْهَا، وَلَا يَقْتَضِي التَّعْرِيضُ جَوَابًا فِي الْأَغْلَبِ، فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : الْكَلَامُ الْأَوَّلُ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ خَصْمِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ بِالتَّعْرِيضِ صَحِيحٌ وَنَقْضُهُ ظَاهِرُ الِاخْتِلَالِ وَاضِحُ الْفَسَادِ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ بِالتَّعْرِيضِ أَنَّهُ لَمَّا حَظَرَ عَلَيْهِ الْمُخَاطَبَةَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ صَرِيحًا وَأُبِيحَ لَهُ التَّعْرِيضُ بِهِ، اخْتَلَفَ حُكْمُ التَّعْرِيضِ وَالتَّصْرِيحِ فِي ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ التَّصْرِيحِ وَغَيْرُ جَائِزٍ التَّسْوِيَةُ


الصفحة التالية
Icon