التَّنْزِيلِ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ اُنْتُقِضَ هَذَا الْإِلْزَامُ وَصَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ ( إنَّ مَنْ أَزَالَ الْحَدَّ عَنْ الْمُعَرِّضِ بِالْقَذْفِ فَإِنَّمَا أَزَالَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِتَعْرِيضِهِ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَذْفَ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ لِغَيْرِهِ ) فَإِنَّهَا وَكَالَةٌ لَمْ تَثْبُتْ عَنْ الْخَصْمِ وَقَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ بِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مُتَعَلِّقٌ بِإِرَادَتِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ عِنْدَ خُصُومِهِ بِالْإِفْصَاحِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَاَلَّذِي يُحِيلُ بِهِ خَصْمُهُ مِنْ أَنَّهُ أَزَالَ الْحَدَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مُرَادَهُ، وَلَا يَقْبَلُونَهُ وَلَا يَعْتَمِدُونَهُ.
وَأَمَّا إلْزَامُهُ خَصْمَهُ أَنْ يُبِيحَ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ كَمَا يُبِيحُ التَّعْرِيضَ بِالنِّكَاحِ، فَإِنَّهُ كَلَامُ رَجُلٍ غَيْرِ مُتَثَبِّتٍ فِيمَا يَقُولُهُ وَلَا نَاظِرٍ فِي عَاقِبَةِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ حُكْمُ إلْزَامِهِ لَهُ، فَنَقُولُ : إنَّ خَصْمَهُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ لَمْ يَجْعَلْ مَا ذَكَرَهُ عِلَّةً لِلْإِبَاحَةِ حَتَّى يَلْزَمَ عَلَيْهِ إبَاحَةُ التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ، وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ عَلَى إيجَابِ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّعْرِيضِ وَالتَّصْرِيحِ، فَأَمَّا الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فَمَوْقُوفَانِ عَلَى دَلَالَتِهِمَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ ( إنَّمَا أُجِيزَ التَّعْرِيضُ بِالنِّكَاحِ دُونَ التَّصْرِيحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْهُمَا وَيَقْتَضِي خِطْبَتُهُ جَوَابًا مِنْهَا وَلَا يَقْتَضِي التَّعْرِيضُ جَوَابًا فِي الْأَغْلَبِ ) فَإِنَّهُ كَلَامٌ فَارِغٌ لَا مَعْنَى تَحْتَهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُنْتَقَضٌ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالنِّكَاحِ وَالتَّصْرِيحَ بِهِ لَا يَقْتَضِي وَاحِدٌ مِنْهُمَا جَوَابًا ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا انْصَرَفَ إلَى خِطْبَتِهَا لَوَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْجَوَابَ كَمَا لَا يَقْتَضِي


الصفحة التالية
Icon