وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ لَهُ عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَيْهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ، فَعَلِمْنَا أَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْهُ لَا تَمْنَعُ مِنْ تَزْوِيجِهَا.
فَإِنْ قِيلَ : مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْهُ تَتْلُوهَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ.
قِيلَ لَهُ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ يَمُوتُ هُوَ قَبْلَ بُلُوغِهَا مَوْضِعَ الِاعْتِدَادِ مِنْ الثَّانِي فَلَا تَلْزَمُهَا عِدَّةٌ مِنْ الثَّانِي، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي هَذِهِ الْحَالِ مُعْتَدَّةً مِنْهُ لَمَا مُنِعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ عِدَّةً تَجِبَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا تَرْفَعُ عَقْدًا مَاضِيًا ؛ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَيْضَ إنَّمَا هُوَ اسْتِبْرَاءٌ لِلرَّحِمِ مِنْ الْحَبَلِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ وَوَطِئَهَا الثَّانِي بِشُبْهَةٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ ثُمَّ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِبْرَاءُ ؛ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِبْرَاءٌ مِنْ حَمْلِ الْأَوَّلِ غَيْرَ اسْتِبْرَاءٍ مِنْ حَمْلِ الثَّانِي، فَوَجَبَ أَنْ تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَأَبَانَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ بِشُبْهَةٍ، أَنَّ عَلَيْهَا عِدَّتَيْنِ عِدَّةٌ مِنْ الْوَطْءِ وَتَعْتَدُّ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ الْأُولَى مِنْ الْعِدَّتَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّ هَذَا حَقٌّ وَاجِبٌ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَالْأَوَّلُ وَاجِبٌ لِرَجُلَيْنِ.
قِيلَ لَهُ : لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَالرَّجُلَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّيْنِ إذَا وَجَبَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَوَاجِبٌ إيفَاؤُهُمَا إيَّاهُ جَمِيعًا كَوُجُوبِهِمَا لِرَجُلَيْنِ فِي لُزُومِ تَوْفِيَتِهِمَا إيَّاهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ فِي آجَالِ الدُّيُونِ وَمَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْإِجَارَاتِ وَمُدَدِ الْإِيلَاءِ فِي أَنَّ مُضِيَّ الْوَقْتِ الْوَاحِدِ يُصَيِّرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ فَتَكُونُ