يَقْتَضِي وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ لَهَا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ لِشُمُولِ الْآيَةِ لِسَائِرِ الْوَالِدَاتِ مِنْ الزَّوْجَاتِ وَالْمُطَلَّقَاتِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ هُوَ عَلَى قَدْرِ حَالِ الرَّجُلِ فِي إعْسَارِهِ وَيَسَارِهِ ؛ إذْ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ إلْزَامُ الْمُعْسِرِ أَكْثَرَ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُهُ، وَلَا إلْزَامُ الْمُوسِرِ الشَّيْءَ الطَّفِيفَ.
وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهَا عَلَى مِقْدَارِ الْكِفَايَةِ مَعَ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَقِيبَ ذَلِكَ :﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلَّا وُسْعَهَا ﴾، فَإِذَا اشْتَطَّتْ الْمَرْأَةُ وَطَلَبَتْ مِنْ النَّفَقَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ الْمُتَعَارَفِ لِمِثْلِهَا لَمْ تُعْطَ، وَكَذَلِكَ إذَا قَصَّرَ الزَّوْجُ عَنْ مِقْدَارِ نَفَقَةِ مِثْلِهَا فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ وَأُجْبِرَ عَلَى نَفَقَةِ مِثْلِهَا.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا وَكُسْوَتِهَا ؛ لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْمُطَلَّقَةِ هِيَ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى تَسْوِيغِ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ ؛ إذْ لَا تَوَصُّلَ إلَى تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا مِنْ جِهَةِ غَالِبِ الظَّنِّ وَأَكْثَرِ الرَّأْيِ ؛ إذْ كَانَ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا بِالْعَادَةِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْعَادَةِ فَسَبِيلُهُ الِاجْتِهَادُ وَغَالِبُ الظَّنِّ ؛ إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ مَقْصُورَةً عَلَى مِقْدَارٍ وَاحِدٍ لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا نُقْصَانَ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ حَالِهِ فِي إعْسَارِهِ وَيَسَارِهِ وَمِقْدَارِ الْكِفَايَةِ وَالْإِمْكَانِ بِقَوْلِهِ :﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلَّا وُسْعَهَا ﴾ وَاعْتِبَارُ الْوُسْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَادَةِ.


الصفحة التالية
Icon