الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ } فَلَمْ يَكُنْ قَوْله تَعَالَى :﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ مُوجِبًا ؛ لَأَنْ لَا يَكُونَ هُدًى لِغَيْرِهِمْ ؛ كَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ و ﴿ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ﴾ غَيْرُ نَافٍ أَنْ يَكُونَ حَقًّا عَلَى غَيْرِهِمْ.
وَأَيْضًا فَإِنَّا نُوجِبُهَا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ بِالْآيَةِ وَنُوجِبُهَا عَلَى غَيْرِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ وَذَلِكَ عَامٌّ فِي الْجَمِيعِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَوْجَبَهَا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى الْمُحْسِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ أَوْجَبَهَا عَلَى غَيْرِهِمْ.
وَيَلْزَمُ هَذَا السَّائِلَ أَنْ لَا يَجْعَلَهَا نَدْبًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ نَدْبًا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُتَّقُونَ وَغَيْرُهُمْ، فَإِذَا جَازَ تَخْصِيصُ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ بِالذِّكْرِ فِي الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ مِنْ الْمُتْعَةِ وَهُمْ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، فَكَذَلِكَ جَائِزٌ تَخْصِيصُ الْمُحْسِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ فِي الْإِيجَابِ وَيَكُونُونَ هُمْ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ سَوَاءً.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا لَمْ يُخَصِّصْ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ مِنْ الصَّدَاقِ وَسَائِرِ عُقُودِ الْمُدَايَنَات عِنْدَ إيجَابِهَا عَلَيْهِمْ وَخَصَّهُمْ بِذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُتْعَةِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.
قِيلَ لَهُ : إذَا كَانَ لَفْظُ الْإِيجَابِ مَوْجُودًا فِي الْجَمِيعِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ ثُمَّ تَخْصِيصُهُ بَعْضَ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْحَقَّ بِذِكْرِ التَّقْوَى، وَالْإِحْسَانِ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ، وَوُجُوهُ التَّأْكِيدِ مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهَا مَا يَكُونُ ذُكِرَ بِتَقْيِيدِ التَّقْوَى وَالْإِحْسَانِ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِتَخْصِيصِ لَفْظِ الْأَدَاءِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِالْأَمْرِ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ،


الصفحة التالية
Icon