وَالزَّكَوَاتُ وَالْكَفَّارَاتُ لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ وَهُنَّ وَاجِبَاتٌ ؛ فَالْمُسْتَدِلُّ بِكَوْنِهَا غَيْرَ بَدَلٍ عَنْ شَيْءٍ عَلَى نَفْيِ إيجَابِهَا مُغَفَّلٌ.
وَأَيْضًا فَاعْتِبَارُهَا بِالرَّجُلِ وَبِالْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ كَلَامٌ فِي تَقْدِيرِهَا، وَالْكَلَامُ فِي التَّقْدِيرِ لَيْسَ يَتَعَلَّقُ بِالْإِيجَابِ ؛ وَلَا بِنَفْيِهِ.
وَأَيْضًا لَوْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً بِحَالِ الرَّجُلِ فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى :﴿ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ﴾ دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ ؛ إذْ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِحَالِ الرَّجُلِ ؛ إذْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ مِنْهُ فِي حَالِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، فَلَمَّا قَدَّرَهَا بِحَالِ الرَّجُلِ وَلَمْ يُطْلِقْهَا فَيُخَيَّرُ الرَّجُلُ فِيهَا، دَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا ؛ وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ دَلِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ.
وَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ أَيْضًا : لَمَّا قَالَ تَعَالَى ﴿ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ﴾ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا تَلْزَمَ الْمُقْتِرَ الَّذِي لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِذَا لَمْ تَلْزَمْهُ لَمْ تَلْزَمْ الْمُوسِرَ، وَمَنْ أَلْزَمَهَا الْمُقْتِرَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ ظَاهِرِ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا مَالَ لَهُ لَمْ تَقْتَضِ الْآيَةُ إيجَابَهَا عَلَيْهِ ؛ إذْ لَا مَالَ لَهُ فَيُعْتَبَرُ قَدَرُهُ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ نَجْعَلَهَا دَيْنًا عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُخَاطَبًا بِهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ إغْفَالٌ مِنْهُ لِمَعْنَى الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ ( عَلَى الْمُوسِعِ عَلَى قَدْرِ مَالِهِ وَعَلَى الْمُقْتِرِ عَلَى قَدْرِ مَالِهِ ) وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ عَلَى الْمُوسِع قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ﴾ وَلِلْمُقْتِرِ قَدَرٌ يُعْتَبَرُ بِهِ، وَهُوَ ثُبُوتُهُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَجِدَ فَيُسَلِّمَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ فَأَوْجَبَهَا عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ.
وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ